من الحتمية إلى اللاحتمية: دراسة ابستيمولوجية في المفاهيم والنتائج

الملخص

أدت النظرة الميكانيكية للكون إلى الإيمان بوجود شروط ضرورية تحتم وقوع الظواهر متى توفرت، وهذا هو مبدأ الحتمية، فأصبح التصور العلمي للكـون مـرادفا لتصور خضوعه للحتمية الشاملة، وأن الإيمان بالعلم في ذات الوقت إيمانا بمبدأ الحتمية. ونتج عن ذلك الاعتقاد بانتظام الطبيعة لأن حوادثها مطردة، ويمكن التنبؤ بها متى علمنا شروطها، وقد انسحب هذا المفهوم على الأفعال الإنسانية واعتبارها جزء من الطبيعة تخضع بدورها للحتمية الشاملة. غيــر أن هذا مبدأ سرعان ما تعرض للانهيار في القرن العشرين بتأثير تطور الفيزياء واقتحام عالم الذرة. لقد كشفت الأبحاث في هذا المجال أن العالم دون الذري لا يخضع على العموم للحتمية الصارمة وإنما للحرية والإمكان، مما ترتب عنه تغير التصور من الحتمية إلى اللاحتمية، والإيمان بحرية الإرادة بدل القول بالحتمية المطلقة.